سورة يونس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قرأ زيد بن ثابت: {ينشركم} ومثله قوله: {فانتشروا فِي الأرض} [الجمعة: 10]، {ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُون} [الروم: 20] فإن قلت: كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، والتسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك؟ قلت: لم يجعل الكون في الفلك غاية التسيير في البحر، ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد (حتى) بما في حيّزها، كأنه قيل: يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظنّ للهلاك والدعاء بالإنجاء.
فإن قلت: ما جواب (إذا)؟ قلت: جاءتها.
فإن قلت: فدعوا؟ قلت: بدل من ظنوا؛ لأنّ دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به.
فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟ قلت: المبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح.
فإن قلت: ما وجه قراءة أمّ الدرداء: (في الفلكي) بزيادة ياء النسب؟ قلت: قيل هما زائدتان كما في الخارجي والأحمري. ويجوز أن يراد به اللجّ والماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلاّ فيه.
والضمير في {جرين} للفلك، لأنه جمع فلك كالأسد، في فعل أخي فعل. وفي قراءة أمّ الدرداء: {للفلك} أيضاً؛ لأنّ الفلكي يدلّ عليه {جَاءتْهَا} جاءت الريح الطيبة، أي تلقتها. وقيل: الضمير للفلك {من كُلّ مَّكَانَ} من جميع أمكنة الموج {أُحِيطَ بِهِمْ} أي أهلكواجعل إحاطة العدوّ بالحي مثلاً في الهلاك {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من غير إشراك به؛ لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} على إرادة القول. أو لأنّ {دَعَوُاْ} من جملة القول: {يَبْغُونَ فِي الأرض} يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك، ممعنين فيه، من قولك: بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد.
فإن قلت: فما معنى قوله: {بِغَيْرِ الحق} والبغي لا يكون بحق؟ قلت: بلى، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة. قرئ: {متاع الحياة الدنيا}، بالنصب: فإن قلت: ما الفرق بين القراءتين؟ قلت: إذا رفعت كان المتاع خبراً للمبتدإ الذي هو {بَغْيُكُمْ} و{على أَنفُسِكُمْ} صلته، كقوله: {فبغى عَلَيْهِمْ} ومعناه: إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لابقاء لها وإذا نصبت {فَعَلَىَّ أَنفُسَكُمْ} خبر غير صلة معناه إنما بغيكم بال على أنفسكم، و{متاع الحياة الدنيا} في موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا. ويجوز أن يكون الرفع على: هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام.
وعن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تمكر ولا تعن ماكراً، ولا تبغ ولا تعن باغياً، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً» وكان يتلوها. وعنه عليه الصلاة والسلام: «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشرّ عقاباً البغي واليمين الفاجرة»، وروي: «ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين» وعن ابن عباس رضي الله عنه: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي. وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه:
يَا صَاحِبَ الْبَغْيِ إنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَة *** فَارْبَعْ فَخَيْرُ فِعَالِ الْمَرْءِ أَعْسَلُهُ
فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْماً عَلَى جَبَل *** لانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ
وعن محمد بن كعب: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي والنكث والمكر. قال الله تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ}.


{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
هذا من التشبيه المركب، شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعد ما التف وتكاثف، وزين الأرض بخضرته ورفيفه {فاختلط بِهِ} فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً {أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت} كلام فصيح: جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس، إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون، فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين. وأصل {ازّينت} تزينت، فأدغم. وبالأصل قرأ عبد الله. وقرئ: {وأزينت}، أي أفعلت، من غير إعلال الفعل كأغيلت أي صارت ذات زينة. وازيانت، بوزن ابياضت {قَادِرُونَ عَلَيْهَا} متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، رافعون لعلتها {أَتَاهَا أَمْرُنَا} وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم {فَجَعَلْنَاهَا} فجعلنا زرعها {حَصِيداً} شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله {كَأَن لَّمْ تَغْنَ} كأن لم يغن زرعها، أي لم ينبت على حذف المضاف في هذه المواضع لابد منه، وإلاّ لم يستقم المعنى.
وقرأ الحسن: {كأن لم يغن} بالياء على أن الضمير للمضاف المحذوف، الذي هو الزرع.
وعن مروان أنه قرأ على المنبر: {كأن لم تتغن} بالأمس، من قول الأعشى:
طَوِيلُ الثّوَاءِ طَوِيلُ التَّغَنِّي ***
والأمس مثل في الوقت القريب كأنه قيل: كأن لم تغن آنفاً.


{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
{دَارُ السلام} الجنة، أضافها إلى اسمه تعظيماً لها.
وقيل السلام السلامة؛ لأنّ أهلها سالمون من كل مكروه. وقيل: لفشوّ السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم {إِلاَّ قِيلاً سلاما سلاما} [الواقعة: 26] {وَيَهْدِى} ويوفق {مَن يَشَآء} وهم الذين علم أنّ اللطف يجدي عليهم، لأنّ مشيئته تابعة لحكمته ومعناه: يدعو العباد كلهم إلى دار السلام، ولا يدخلها إلاّ المهديون.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9